الخميس 25 أبريل 2024

السحر والشعوذة.. تجارة رائجة تدخل عالم الرقمنة في الجزائر؟

ⓒ received_744210986229394

استفحلت ظاهرة السحر والشعوذة في السنوات الأخيرة بالجزائر بشكل مريب، بعد أن تحولت كثير من المنازل والقبور إلى أوكار لإيذاء الناس من أصحاب النفوس الضعيفة، ولم يسلم منها حتى الأطفال الرضع والمرضى، كما أن الفئات الهشة اجتماعيا عادة ما تقع فريسة لتحيل المشعوذين والسحرة وخاصة أولئك الذين يبحثون عن طريق مختصرة لتحقيق النجاح أو كسب الثروة، ويشمل اللجوء إلى مثل هذه الممارسات حتى رجال الأعمال والسياسيين ممن يريدون الحفاظ على مناصبهم، وكذلك بعض الرياضيين ممن يحتكمون إلى المشعوذين لمعرفة مصير المباراة أو منع تسجيل الأهداف في مرمى منافسهم.

تحولت أعمال السحر والشعوذة إلى شماعة يعلق عليها الناس أخطاءهم وفشلهم في التعامل مع بعض الأمور الحياتية، مثل تأخر الزواج أو عدم الانجاب أو الطلاق أو الفشل الدراسي أو طول مدة البطالة، فعوض أن يراجع المرء نفسه ويبحث عن مكمن الخطأ فإنه يتجه إلى مبررات واهية مثل السحر لتجنب اللوم، كما أن المشعوذين أو الدجالين يتعمدون ممارسة أعمال السحر داخل المقابر لإضفاء مصداقية على أعمالهم، فهم يوهمون الناس بوجود علاقة بين السحر وعالم الغيب والموت.

أعشاب، طلاسم وتمائم وما خفي أعظم

أوقفت عناصر الأمن بالولاية النعامة مشعوذا داخل إحدى المقابر على إثر معلومة تلقتها المصالح ذاتها تم من خلالها مداهمة المسكن وتفتيشه، وبعد تفتيش منزل الساحر تم حجز أغراض كان يستعملها في السحر والشعوذة على غرار كتب تستعمل في السحر والشعوذة “معدات، أعشاب، طلاسم، تمائم، ألبسة قديمة مدون عليها أسماء أشخاص، مادة فضية اللون (زئبق أبيض)، مصحف شريف عليه آثار التمزيق ومحذوفة منه بعض الصفحات، مبلغ مالي قدره 22000 دينار من عائدات السحر والشعوذة، حيث أسفرت عملية تفتيش منزل الساحر أيضا عن حجز عرضيا لبندقية تقليدية الصنع بدون وثائق.

كما وجدت مجموعة من الشباب عندما توجهوا إلى مقبرة سيدي يحيى بعين الدفلى لجنازة جارهم رحمه الله، سحرا داخل نخلة، حيث يقول أحد الحضور إن النخلة فوق قبر وهذا النوع من السحر منحوت أسماء أناس وعائلات على مادة الرصاص، وحسب شاهد عيان فهذه مجرد نخلة واحدة وما خفي أعظم، وهو الأمر ذاته عندما دخلت مجموعة من الشباب والرقاة مقبر في ولاية أم البواقي بهدف تنظيفها وجدوا فيها أشياء لم يكونوا يتصورونها، قبور فيها عقد من ملابس.

رجال ونساء وأطفال.. أول الضحايا

وأما عن فضيحة المشعوذ التي بدأت قصته مع احتراق منزله لأسباب مجهولة بولاية تبسة، إذ سارع أحد شباب المدينة لإخماد النيران في، وبعد دخول الأهالي إلى البيت للاطمئنان على من فيه عثروا على أشياء لها علاقة بالسحر والشعوذة، ونشر أهالي المدينة عبر منصات التواصل صورا لما استخرجوه من منزل المشعوذ بعد أن أخرجوها إلى الشارع، كان من بينها كميات كبيرة من صور رجال ونساء وأطفال، من بينها صورة لامرأة مع زوجها توفيت قبل أسابيع فقط نتيجة آلام في البطن تبين بأنه نتيجة سحر مأكول وفق شهادات أهالي المنطقة، كما عثر في منزل الساحر على طلاسم وجداول مختلفة وقصاصات من المصحف الشريف، وأجزاء أخرى من مصاحف أخرى سكب عليها مادة داكنة وأوراق مكتوب عليها آيات قرآنية، وكذا زواحف وطيور محنطة وجلود حيوانات وأظافر وشعر وأقفال حديدية، ليسارع أهالي المدينة إلى نشر صور الضحايا عبر منصات التواصل ومطالبة أهاليهم لفك السحر وإنقاذهم.

وأدانت محكمة ولاية تبسة الساحر والمشعوذ الذي بلغ من العمر 50 عاما بـ6 سنوات سجنا نافذا، بتهمة ممارسة الشعوذة وإتلاف المصحف الشريف والتنبؤ بالغيب وممارسة الكهانة، وهي التهم الواردة في قانون العقوبات الجزائري في خانة “الجهل والكفر”، ولم تكن حادثة تبسة وحدها التي صدمت الجزائريين، إذ نشر رواد مواقع التواصل صورا لأدوات اكتشفها شباب متطوعون لتنظيف مقابر بالعاصمة، والتي بات يستعملها المشعوذون والسحرة لطقوسهم وإيذاء الناس، وعثر المتطوعون على كميات كبيرة من الملابس الداخلية للنساء والرجال ورؤوس حيوانات مرعبة وطلاسم، ذكروا أن غالبيتها لحرمان الأزواج من الإنجاب، وسارع الشباب المتطوع إلى فك السحر باستعمال الآيات القرآنية والماء المرقي بالقرآن بالاستعانة ببعض الأئمة.

حملة “فايسبوكية” لتنظيف المقابر

أطلق رواد مواقع التواصل الاجتماعي حملات تدعو إلى تنظيف المقابر من أعمال السحر والشعوذة في مختلف ولايات الوطن، أسفرت عن العثور على أعمال سحر وتعاويذ كتبت على صور مواطنين وبطاقات هويتهم البيومترية، في وقت يحذر فيه البعض من انتشار هذه الظاهرة واستخدامها في استغلال الناس، وانطلقت هذه الحملات بعد انتشار عدة فيديوهات على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” تبرز العثور على طلاسم غريبة وملابس ملطخة بالدماء وبقايا لحيوانات ببعض المقابر، ودفعت هذه الحوادث مواطنين إلى إطلاق حملات لتنظيف مختلف المقابر، لتسفر بدورها عن اكتشاف أعمال سحر وشعوذة في عدة ولايات، وتحولت هذه الحملات إلى موضوع تندّر لدى بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يعتبرون السحر مجرد شماعة يستخدمها الناس في تبرير فشلهم، بينما حذر آخرون من مغبة استخدام هذه الأعمال في تفرقة العائلات والتسبب لهم بمشاكل عدة، في وقت نبه فيه البعض من بروز عملية تحايل جديدة لأناس يعرضون البحث عن السحر وإبطاله مقابل الحصول على مبالغ مالية.

كما سجلت الحملات “الفايسبوكية” لتنظيف المقابر تجاوبا قويا من طرف المواطنين والحركات الجمعوية على المستوى الوطني، على غرار ولاية تيبازة
التي عرفت حملة تنظيف المقابر التي بادرت بها مديرية الحماية المدنية بالولاية تجاوبا منقطع النظير، سيما منها الناشطة في المجال الخيري نظرا لقداسة المكان، وسجلت مصالح الحماية المدنية التي جندت ثلثي أعوانها هبة جماهيرية واسعة من خلال مشاركتها جنبا إلى جنب.

السحر والشعوذة.. ينكرهما الإسلام ويعاقب عليهما القانون

يقدم مختصون في الشريعة الإسلامية والقانون أسبابا مختلفة لتفشي ظاهرة السحر والشعوذة، بينها نقص الوازع الديني والغيرة والحسد والخلافات العائلية والمهنية، وعدم تطبيق القانون على المجرمين والجهل، رغم تأكيدهم أن الظاهرة امتدت حتى إلى لطبقة المثقفة، كما أشاروا إلى خطر مواقع التواصل التي باتت مرتعا لهم، معتبرين أنها أحد أبرز أسباب تفشي الظاهرة التي أصبحت متاحة للجميع، ويشير رجال القانون إلى أن السحر والشعوذة يعاقب عليه القانون الجزائري ضمن جرائم النصب والاحتيال والغش واعتماد أساليب كيدية، والاستيلاء على مال الغير والإضرار بجسد الغير وتعرضه للخط، مؤكدين على أن القانون الذي لا يفعل بإجراءات عملية لمراقبة الظاهرة ومتابعتها وردعها لن يكون مجديا، وعلى السلطات العمومية أن تردع هؤلاء المشعوذين ليبقوا عبرة لكل من تسول له نفسه إيذاء الناس وأن تشدد العقوبات ضدهم.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top