الخميس 28 مارس 2024

جزائريون يفرون من” الكورونا “باتجاه الطبيعة…

ⓒ 3

لا ينكر أحد منا أن الوضع الحالي الذي عرفته البلاد بسبب الوباء منذ أول يوم يتم الإعلان فيه عن تسجيل أول إصابة بوباء كورونا كوفيد 19 بالجزائر، خلق في نفسية الجزائريين مزيجا من القلق، الخوف والترقب، هذه الحالة الصعبة التي عاشتها العائلات الجزائرية طيلة أيام الحجر المنزلي، ساهمت في” تراكم” ما سمّاه المختصون النفسانيون “الآثار السلبية النفسية” التي تركها الوباء.

وفي هذا السياق، وبعد “انفراج” الوضع ولو ” نسبيا” بعد قرار الحكومة التقليل والتخفيف من الحجر الصحي ورفعه تدريجيا، خرجت العائلات الجزائرية ” تتنفس” وتنفض ” غبار” الحجر المنزلي الذي دام ما يزيد على 3 أشهر متتالية، إلا أنها تفاجأت بقرار إغلاق الشواطئ للحد من انتشار الوباء كورونا كوفيد 19، ولم يبق لها سوى التوجه الى الطبيعة، وبالعاصمة ” تفر” يوميا عشرات العائلات الى غابة باينام التي تجمع بين جمال الطبيعة وروعتها ونسمات وبرودة البحر، فكان المنظر الذي رسم أجمل صورة طبيعية لزرقة المياه واخضرار الطبيعة، هذا الوضع ” الاستثنائي” ساهم في ارتفاع معدل زيارة الجزائريين إلى غابة باينام بما يزيد عن 80 بالمائة حسب الاحصاءات المقدمة لأ” الإخبارية” من طرف مسؤولون بإدارة هذا المرفق الطبيعي” الخلاب”.

أبواب الشواطئ أغلقت لكن الغابات لاتزال مفتوحة

كانت الساعة الواحدة بعد الظهر عندما وصلنا إلى غابة باينام على بعد 15 كلم من غرب العاصمة، الوصول اليها كان شبه مستحيل بالنظر الى الازدحام المروري الممتد الى طول الطريق نحو غابة باينام، ويبدو أن العائلات الجزائرية فضلت التوجه إلى هذا الفضاء الطبيعي الخلاب لأخذ بعض الراحة والاستجمام والهروب من ضغط الكورونا وما تسببه من آثار في نفسيتها، وفي مدخل الغابة تبدأ رحلة البحث عن الظفر بمكان لركن السيارة باعتبار أن العديد من الجزائريين يتخذون من هذا المرفق مكانا لراحتهم، منهم من يفضل قصد هذا المكان في الساعات الأولى من صباح اليوم، ومنهم من يفضل زيارة الغابة في الفترة المسائية.

وبين هذا وذاك شهدت غابة باينام اقبالا كبيرا وصل حسب المعلومات المقدمة لنا إلى ما يزيد على 80 بالمائة مقارنة بالأيام العادية، ولأن الأوضاع التي تعيشها البلاد بسبب الوباء اضطرت السلطات إلى إغلاق الشواطئ التي كانت قبلة الجزائريين، فعوضت هذه الرغبة بالتوجه نحو الطبيعة للتمتع بجمالها، وامتزجت غابة باينام بجمال طبيعي خلاب جمع بين الأشجار المتناسقة والمتنوعة تنوع أنواعها وبين زرقة البحر ونسماته التي تهب بين الفينة والأخرى فجعلت زوار الغابة يتنفسون هواء نقيا بعيدا عن ضغط الكورونا .

تحضير أكل سريع وشواء على الجمر واللمة تحلى

تتشكل طوابير طويلة عند مدخل الغابة والشخص المحظوظ هو من يجد مكانا لركن سيارته وآخر للتخيم رفقة العائلة وفي بعض الأحيان الاحباب والأصدقاء، كان صوت الأطفال يعلو ويعلو، فرحتهم التي رسمتها الفضاءات الواسعة امام اخضرار الطبيعة وصوت مرتفع يعبر عن فرحة ارتبطت بوجودهم في هذا المكان على اجمالي الهكتارات التي تضمها خمس بلديات يتعلق الامر ببلدية بوزريعة، الحمامات، الرايس حميدو، عين بنيان، بني مسوس، وبين الأشجار الطويلة والمتناسقة تجد العائلات جالسة وأمامها مستلزماتها، التي جلبتها معها، أفرشة وبعض الاواني للأكل، وها هي بعض النسوة هناك شرعن في تحضير أشهى المأكولات السريعة بعد أن بادر الرجال الى تحضير مستلزمات الشواء على الجمر، وتقول السيدة “ليندة أم لأربعة أطفال”، كانت تحضر في السلاطة رفقة 3 من أخواتها، تقول إنها اعتادت المجيء لغابة باينام، ولكنها اصحبت تزورها بمعدل 3 أيام في الأسبوع مع أولادها وأخواتها الثلاث، تقطن ببلدية بني مسوس، اضافت لـ” الإخبارية” ضغط الكورونا واحتمال إصابتنا به ولد فينا الخوف والقلق”، وتابعت “صدقيني عندما أزور الغابة استنشق جرعة أوكسجين وهواء نقيا ولا أروع في هذا الفضاء الرائع”.

غير بعيد عن هذه العائلة شباب في مقتبل العمر اجتمعوا على طاولة متنوعة من المأكولات وأبريق شاي، اللمة لا تحلى إلا بالأحباب والأصدقاء، وبدا هؤلاء وكأنهم إخوة وهم ليسوا كذلك، بدا الأول في الاكل والثاني كان يحضر إبريق الشاي والثالث كان يتأمل الزوار وإقبال العائلات على هذا المكان الخلاب، وفي الجهة الأخرى مناظر ولا أروع بنسمات البحر الباردة وزرقته التي استقطبت عشرات العائلات اليها، اغلبيتهم يتخذون الجهة المقابلة للبحر للتخييم والبقاء فيها طيلة فترة تواجدهم بالمكان.
وهناك منظر الدخان يتطاير هنا وهناك امام انتشار روائح الطهي والشواء، هي صور اقل ما يقال عنها انها تنتشر عند اغلبية زوار غابة باينام سواء في الفترة الصباحية او حتى المسائية.

وللأطفال نصيب …ألعاب وخيول في خدمة البراءة

يلعبون هنا وهناك تجدهم ينتقلون من مكان الى آخر، في كل جهة من جهات الغابة، أطفال فجروا طاقاتهم في اللعب والتنقل والتسابق والتجوال بين كل أرجاء الغابة تارة رفقة أوليائهم وذويهم وتارة أخرى مع اصدقائهم، فهم كونوا صداقات عميقة في هذا الفضاء الرحب، وبين الأشجار المتعانقة مع زرقة السماء يجوبون هنا وهناك، وجدوا ضالتهم وكأنهم تحرروا من القيود وخرجوا من الحجر المنزلي، أصوات تعلو هنا وهناك واستغلال لكل دقيقة في غابة باينام، كيف لا وهم في البيوت منذ شهر مارس الفارط بسبب الوباء كورونا كوفيد 19.
وفي السياق يتواجد بغابة باينام مرافق لللعب والترفيه مخصصة للأطفال مجانية، يستغلها الأطفال في اللعب والتمتع بالغابة وجمالها، وبالرغم من ان بعض الاولياء الذين تحدثوا لـ” الإخبارية” نقلوا انشغالهم من خلال منبرها للسلطات العمومية بضرورة إعادة تهيئة مرافق اللعب حيث تشهد وضعية مهترئة بسب قدمها وعدم تجديد حظيرة الألعاب منذ سنوات، وفي هذا السياق ينتظر كل طفل دوره أمام طوابير طويلة من البراءة التي ترغب في التمتع بكل المرافق الترفيهية الموجودة بالغابة .
وفي الضفة الأخرى من الغابة وخلال تجوالك هناك تصطف الخيول الأصيلة التي جلبت للغابة للأخذ الصور رفقتها وللتجوال في كافة الغابة بها بمبلغ يقول –صاحبها-، رمزي وصل الى حدود 100دج الى 200دج للفرد الواحد، الأطفال يتسابقون للظفر بركوبها والتجوال بالغابة فوق الخيول التي غالبا ما تكون لطيفة مع الأطفال وأليفة معهم.

وفريق يستغل الغابة للرياضة وعزف الموسيقى 

لم تقتصر زيارة الغابة على العائلات والأصدقاء فقط بل تعدت الى فريق اخر من الشباب والمراهقين يتخذون منها مكانا خاصا لممارسة الرياضة فيها وكذا العزف وسماع الموسيقى بكل أنواعها، وهذا الصنف من الزوار يبدأ رحلته غالبا في الفترة المسائية بعد الثالثة زوالا، وفي مكان خاص بهم، شباب بلباس رياضي يتنافسون بسباق يمتد على طول الغابة في تطبيق لنظرية ” مسافة الالف ميل تبدأ بخطوة” ، فهم يتمتعون بجمال الغابة وهوائها النقي وهدوئها، واحتوائها على فضاءات رياضية على غرار أماكن وضعت خصيصا لرياضة المشي والسباق في الغابة، وفضاءات أخرى وضعت على أساس ملعب صغير لرياضة معشوقة الجماهير كرة القدم.

وبالموازاة يتخذ البعض منهم الغابة لسماع الأغاني والعزف، هذا الصنف من الشباب والمراهقين يفضلون التغلغل الى أعماق الغابة بعيدا عن العائلات غالبا لكي لا يزعجوها –في اعتقادهم-، في حين لا يمانع البعض منهم الغناء وسماع الموسيقى وسط العائلات فهم يرونها هواية يتمتعون بممارستها في غابة باينام.

حرف وهوايات …..فن وذاكرة
“نادي الفنون” فضاء يوجد داخل غابة باينام يجمع بين الفن، الحرف والهوايات، مجموعة من الحرفيين وعشاق الفن، وحتى غرس الازهار والورود، على بعد أمتار فقط من مدخل الغابة يتواجد يوميا هناك عشاق الفن والذاكرة داخل هذا الفضاء المخصص لهذا الغرض، وبمدخله بائع للأزهار والشجيرات المغروسة داخل إناءات صغيرة معروضة للبيع لزوار الغابة بأسعار يقول صاحبها ” ملائمة ” ، ويعرض البائع عشرات أنواع الازهار للبيع وأنواع الشجيرات النادرة.

ويتحدث موظف داخل هذا الفضاء لـ” الإخبارية” يقول كان هذا الفضاء مخصصا دائما للفن وعشاقه، واليوم أضحى يعاني الإهمال ووجب على السلطات إعادة الاعتبار لهذا الفضاء الترفيهي، فهو كان فضاء يلتقي فيه عشاق الفن والطبيعة يتبادلون أطراف الحديث، واليوم يعاني الإهمال وينتظر التفاتة المسؤولين إليه.

كما يعرض بعض الباعة في هذا الفضاء ألعابا للأطفال من دمى، وسيارات العاب وغيرها من الألعاب التي يتهافت اليها الأطفال، ويرغبون في اقتنائها ولو بأسعار مرتفعة مقارنة بتلك المعروضة في الأسواق.

من جهة أخرى أقرت إدارة غابة باينام المسيرة من طرف مديرية الغابات لولاية العاصمة بإغلاق المحلات الموجودة داخل الغابة على غرار محلات الاكل السريع والمقاهي بسبب الوباء كورونا كوفيد 19، مما جعل العائلات الزائرة لهذه الغابة تحضر جميع مستلزماتها التي تحتاجها على غرار الأكل والشراب من بيتها، ويأمل زوار الغابة أن يزول الوباء كورونا كوفيد 19 لتعود الحياة الطبيعية في أقرب وقت، خاصة من اعتادوا زيارة هذا المرفق وقضاء نهاية الأسبوع فيه وحتى منهم من يبقى إلى فترات متأخرة مستغلا بذلك كل دقيقة من وقته في التمتع بجمال الطبيعة وسحر زرقة البحر.

ازدحام مروري خانق قبيل انتهاء فترة الحجر 

ويرتبط زوار غابة باينام غرب العاصمة بالتوقيت الخاص بالحجر ، فهم ملزمون على مغادرة الغابة قبل بدء منع التجوال في إطار سياسة ومخطط الحكومة في مواجهة وباء كورونا كوفيد 19 ، وقبل هذا فالداخل للغابة ليس كالخارج منها، باعتبار أن العائلات أغلبها تفضل البقاء في الغابة إلى الفترة المسائية لا لشيء فقط سوى لاستغلال كل دقيقة فيها متمتعة بزرقة مياه البحر المقابل للغابة وجمال الطبيعة التي تناسقت ألوانها مشكلة أجمل صورة طبيعية مما خلق الله سبحانه وتعالى.

وبعيدا عن حرارة الشمس وارتفاع درجاتها، تبدأ الشمس بالغروب وتختفي بين الأشجار معلنة نهاية يوم لم يكن كسائر الأيام، عند تلك العائلات التي قضيت يوما، بعيدا عن ضغط الحياة وزخمها والقلق والترقب الذي فرضه عليها الوباء كورونا كوفيد 19.

وعلى امتداد الطريق باتجاه بوزريعة وعين البنيان وبني مسوس، عشرات السيارات تصطف يوميا في مخارج الغابة، مشكلة بذلك طوابير طويلة من المركبات التي تخرج تباعا من غابة باينام، وكانت حينها الساعة السابعة والربع مساء عندما خرجنا من الغابة وعلى مدار الطريق اختناق مروري كبير لا يكاد ينتهي حتى يستغرق وقتا معتبرا، وحينها تتسابق العائلات والزوار للإسراع في الالتحاق لبيوتها، فهي ملزمة على احترام الحجر المنزلي والتوقيت المفروض عليها من الحكومة في إطار إجراءات مكافحة الوباء كورونا كوفيد 19.

شارك برأيك

هل سينجح “بيتكوفيتش” في إعادة “الخضر” إلى سكّة الانتصارات والتتويجات؟

scroll top